لغدر ونقض العهود
والمواثيق خلق مشين ، نشأ عليه اليهود ، فلا يستطيعون فراقه ، فهم كما
وصفهم الله عز وجل : { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا
يؤمنون}(البقرة : 100) ،
ومن كانت هذه حاله يصعب التعامل معه ، وبالتالي لا بد من استئصاله والتخلص منه بالقتل أو النفي ، حتى يبقى المجتمع نظيفاً آمناً .
وبنو
قريظة صنف من اليهود كغيرهم ممن نقضوا العهود ، وخانوا المسلمين في أصعب
الظروف ، وتآمروا مع الأحزاب ضدهم غير مكترثين بما اتفقوا عليه مع
المسلمين .
فبعد انتهاء غزوة الأحزاب ورجوع الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة ، وفي نفس اليوم يأتيه الأمر من جبريل بالسير إلى بني
قريظة ، وهو معهم في موكب من الملائكة لزلزلة حصونهم وقذف الرعب في قلوبهم
، فنادى النبي في أصحابه : ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)رواه
البخاري.
وأعطى الرسول الراية لعلي بن أبي طالب وقدمه على الجيش ،
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وخرج الرسول مع المهاجرين والأنصار ،
وتحرك الجيش الإسلامي وقد بلغ ثلاثة آلاف ، والخيل ثلاثين فرساً ، وفرضوا
الحصار على بني قريظة في حصونهم . وقد جرت أحداث هذه الغزوة في السنة
الخامسة من الهجرة .
واشتد الحصار عليهم ، ونصحهم رئيسهم كعب بن
أسد بأمور منها الإسلام فلم يقبلوا منه ، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم يريدون أبا لبابة رضي الله عنه يستشيرونه ، وقد كان حليفاً لهم
، فنصحهم بالنزول على حكم الرسول . فاستسلموا وأذعنوا وقبلوا بحكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر باعتقال الرجال ، وجمع النساء والذراري ،
ولما طالبت الأوس بالإحسان إليهم ، حكّم فيهم رجلاً منهم وهو سعد بن معاذ
الذي أصدر حكمه بأن يقتل الرجال ، وتسبى النساء ، وتقسم الأموال ، فقال
الرسول صلى الله عليه وسلم : (لقد حكمت فيهم بحكم الله )متفق عليه .
وأمر
رسول الله فحبست النساء ، وحفرت الخنادق للرجال الذين ضُربت أعناقهم ، وقد
بلغوا من الستمائة إلى السبعمائة ، وقتل من النساء واحدة لقتلها رجلاً من
المسلمين ، ولم يقتل من المسلمين غيره .
وأسلم من اليهود نفرٌ قبل النزول ، فحقنوا دمائهم وأموالهم وذراريهم . وقسم الرسول أموال بني قريظة بعد إخراج الخمس .
وبذلك
تم الجلاء الثالث لليهود ، ولكنه يختلف عن سابقيه ، فقد تم جلاؤهم هذه
المرة إلى الخنادق استئصالاً للغدر وأهله ، وإبعاداً للخيانة وأصحابها ،
وهكذا تكون نهاية الظالمين الخائنين